عودا على بدء، سلطت الضوء في المقال السابق على أحد أهم مصادر الطاقة وهو الغاز الطبيعي، وذكرت أنه في ظل تسارع نمو عدد السكان المطرد في العالم، نجد هناك تسارعا موازيا له في الطلب على الطاقة بشتى أنواعها، وأن للطاقة أشكالا كثيرة ومصادر مختلفة، فمن مصادرها ما هو متجدد كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومنها ما هو ناضب كالوقود الأحفوري، الذي يشمل النفط والفحم والغاز موضوع هذه السلسلة من المقالات.
في نهاية المقال السابق، أجبت عن السؤال عنوان هذه السلسلة، وذكرت أن "أرامكو السعودية" تهدف إلى أن تكون واحدة من أكبر ثلاث شركات منتجة للغاز على مستوى العالم، وأن تصدر الغاز للمرة الأولى في تاريخها بحلول عام 2030، وذلك بناء على تصريح المهندس أمين الناصر رئيس "أرامكو السعودية" وكبير الإداريين التنفيذيين فيها. قبيل أيام، صدرت الأرقام الرسمية لاحتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي المؤكدة، وهي بلا شك أرقام مبشرة، ونعمة أضافها الله إلى نعمه السابقة، التي مَنَّ بها على وطننا الغالي.
قبل قراءة هذه الأرقام وتبيان تأثيرها في مستقبل قطاع النفط والغاز خصوصا وقطاع الصناعة عموما، أود أن أعرج في عجالة على مصطلح "الاحتياطي المؤكد"، وكيف يتم تأكيده وإعطاؤه هذه الصفة؛ لتتضح الصورة للقارئ الكريم.
الاستكشاف والتنقيب هما أول مرحلة من مراحل صناعة النفط والغاز ولهما طرق عديدة، وتقنيات مختلفة، تتفاوت في دقتها وتكلفتها والحاجة إليها. هناك تصور لدى البعض، أن حفر بئر النفط أو الغاز لا يتم إلا بعد اتخاذ قرار نهائي، أن المكمن الذي تمت دراسته يحتوي على نفط، وأن كميته ذات جدوى اقتصادية، وهذا تصور غير دقيق. تبدأ أولى مراحل التنقيب والاستكشاف بدراسة جيولوجية لسطح الأرض في المناطق المستهدفة، والغرض من هذه الدراسة الأولية هو البحث عن مؤشرات جيولوجية أولية تدل على وجود صخور قديمة التكوين وانكسارات صخرية في باطن الأرض، أدت إلى تكون مصائد في باطن الأرض، حبست النفط والغاز، ومنعتهما من التسرب أفقيا وعموديا. في حال وجد الجيولوجيون مؤشرات مبدئية إيجابية عن مصائد في باطن الأرض، يبدأ استخدام التقنيات المتطورة؛ لمعرفة طبيعة وأنواع الصخور للوصول إلى مؤشرات أقوى عن وجود النفط أو الغاز. من هذه التقنيات على سبيل المثال لا الحصر الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الاصطناعية "الموجات الكهرومغناطيسية والرادارية"، وتستخدم لدراسة القشرة الأرضية وتضاريس سطحها، وكذلك استخدام المسح المغناطيسي، الذي يحدد نوع الطبقات الضاربة في العمق، التي تتشكل تحت الطبقات المتوقع احتضانها المصائد. أضف إلى ذلك استخدام تقنية السايزمك "الموجات الصوتية"؛ لدراسة الطبقات التي يحتمل وجود المكامن فيها، وكل العمليات السابقة لا تؤكد وجود النفط والغاز بشكل قاطع. وعليه؛ فإن حفر بئر تجريبية هو الطريقة الوحيدة للتأكد ولمعرفة جدوى الكمية الموجودة اقتصاديا وإمكانية استخراجها. هذه الكميات المثبت وجودها، وبعد التأكد من القدرة على استخراجها بالطرق الهندسية والتقنيات المتاحة، تضاف إلى قائمة "الاحتياطي المؤكد".
موضوع المقال اللاحق بإذن الله من هذه السلسلة سيكون عن احتياطي السعودية من النفط والغاز، الذي تم إعلانه، وانعكاس هذه الأرقام الإيجابي على المملكة من زوايا مختلفة.