عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق، الذي يعد الأول من هذه السلسلة، أن المعادلة النفطية العالمية قد تغيرت مع بزوغ نجم النفط الصخري خلال السنوات القليلة الماضية، وأن هذه حقيقة يجب التعامل معها دون إفراط ولا تفريط. منذ عام 1920 حتى عام 2015 لم تتجاوز صادرات النفط الأمريكية حاجز 500 ألف برميل يوميا، لكنها وبفعل النفط الصخري وصلت إلى 2.1 مليون برميل يوميا في أيلول (سبتمبر) الماضي. هذا التغير يقودنا إلى سؤالين أرى أهميتهما لاستشراف المستقبل وقراءة تأثير النفط الأمريكي في المعادلة النفطية: "هل سيستمر حرص صناع القرار في الولايات المتحدة على انخفاض أسعار النفط بالوتيرة السابقة نفسها في ظل بزوغ نجم النفط الصخري؟ وهل انتعاش الصادرات الأمريكية من النفط منذ عام 2015 أحد العوامل، التي ستؤثر في تعاطي صناع القرار في الولايات المتحدة مع أسعار النفط؟ أجبت عن السؤال الأول في المقال السابق، وذكرت أن هبوط أسعار النفط إلى مستويات متدنية ليس في مصلحة شركات النفط الصخري الأمريكية، وما الانخفاض الأخير في الأسعار خلال الأشهر القليلة السابقة إلا دليل على ذلك؛ حيث خسرت أسهم بعض هذه الشركات في البورصة أكثر من 65 في المائة من قيمتها، وأيضا ما حدث قبل ثلاثة أعوام تقريبا عندما وصلت أسعار النفط إلى دون الـ30 دولارا، ما أدى إلى إفلاس كثير من الشركات النفطية المختصة باستخراج النفط الصخري. أعتقد أن ما سبق سيؤخذ في حسبان صانع القرار الأمريكي، وأن نزول الأسعار إلى مستويات متدنية جدا لم يعد خيارا مريحا ومطلبا مهما كما في السابق. عودا على السؤال الثاني حول تأثير الصادرات النفطية الأمريكية في المعادلة النفطية العالمية، الذي ضخمته بعض وسائل الإعلام وبعض مراكز الدراسات النفطية. ذكر رئيس وكالة الطاقة الدولية، أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط قد يفوق إنتاج المملكة وروسيا مجتمعتين عام 2025! يبلغ إنتاج المملكة حاليا قرابة 10.5 مليون برميل يوميا، وإنتاج روسيا بلغ 11.5 مليون برميل يوميا، بمعنى أن إنتاجهما مجتمعتين 22 مليون برميل، بينما إنتاج الولايات المتحدة من النفط في حدود 11.6 مليون برميل يوميا. إنتاج السعودية وروسيا مجتمعتين يصل إلى ضعف الإنتاج الحالي من النفط الأمريكي! فهل تجاوز الإنتاج الأمريكي من النفط إنتاج السعودية وروسيا عام 2025؛ أي بعد ست سنوات تقريبا، أمر وارد بحسب تصريح رئيس وكالة الطاقة الدولية؟ أرى أن في هذا التصريح مبالغة كبيرة جدا تصل إلى حد الاستحالة. أن يتضاعف إنتاج الولايات المتحدة من النفط في غضون ست سنوات فقط أراه ضربا من الخيال، فلو افترضنا أن لدى شركات النفط الأمريكية القدرة التقنية والبنية التحتية المناسبة لرفع الإنتاج بهذه السرعة الصاروخية وبقاء إنتاج روسيا والسعودية بالوتيرة نفسها - وهذا مستبعد من وجهة نظري - عندها ستصاب أسواق النفط بتخمة قوية جدا، ستهوي بالأسعار، وستكبد شركات النفط الصخري خسائر فادحة، وستدفعها إلى الإفلاس والتوقف.
ختاما، النفط الأمريكي بشقيه التقليدي والصخري، ليس إلا رافدا من روافد النفط كغيره، وسيخضع لقانون العرض والطلب العالمي.