لا يخفى على القارئ الكريم أهمية النفط وصناعته للعالم أجمع وللمملكة على وجه الخصوص، حيث إنه عصب الاقتصاد وأساس التنمية لأي دولة، ولا يغيب عنا هنا توجه السعودية الاستراتيجي لتنويع اقتصادها. تناولت هذا الموضوع في مقالات عديدة، من حيث أهميته الاستراتيجية واستخداماته المتعددة، وسأسلط الضوء هنا على أوجه التوطين في قطاع النفط والقدرة على تحقيقها. قضيت قرابة 12 عاما في قطاع النفط وتربطني به صلة وثيقة، تعلمت الكثير وما زلت أتعلم، عملت في هذا القطاع مهندسا لحقول النفط، متنقلا بين آبارها برا وبحرا، ومن ثم انتقلت إلى الجانب الإداري في هذا القطاع واقتناص الفرص، واستقطاب التقنية، وإدارة الشركات النفطية أو تطويرها. خلصت - من وجهة نظر شخصية - إلى قناعة بأن لتوطين هذا القطاع أوجها ثلاثة لا رابع لها هي: توطين المهن، وتوطين الخدمات، وتوطين الصناعة. قد تجتمع هذه الأوجه وقد تأتي فرادى، وقد تأتي بالتراتب ابتداء من توطين المهنة ومن ثم توطين الخدمة، وأخيرا توطين الصناعة، وقد لا تتقيد بالترتيب. قطاع النفط بحر كبير ومجال واسع وأنشطة مختلفة لا يمكن حصرها بسهولة، لكن يمكن تقسيم هذا القطاع إلى ثلاثة أنشطة رئيسة، هي "صناعة المنبع" وثانيها "الصناعة الوسيطة" وأخيرا "صناعة المصب". يندرج تحت كل نشاط من هذه الأنشطة مئات من الأنشطة الفرعية. أود أن أركز في هذه السلسلة من المقالات على أوجه التوطين والقدرة على تحقيقها في "صناعة المنبع" والأنشطة التابعة لها، وأهمية التكامل بين "أرامكو" السعودية من جهة وبين الشركات النفطية الوطنية والعالمية ورجال الأعمال ورواد الأعمال من جهة أخرى، كي نصل - بإذن الله - إلى التوطين الشامل، وإن تطلب ذلك وقتا طويلا، لأن في تحقيق ذلك أو في تحقيق نسبة كبيرة منه على أقل تقدير أثرا اقتصاديا وتنمويا ضخما بإذن الله تعالى، وغيرها من النتائج التي سأتطرق إليها في هذه السلسلة، بإذن الله تعالى. بما أن المقال سيركز على "صناعة المنبع"، أجد أنه من الضروري تعريف هذه الصناعة والأنشطة التابعة لها بشيء من الإيجاز، كتوطئة لجوهر هذه السلسلة. "صناعة المنبع" أو ما يسمى أيضا بقطاع التنقيب والإنتاج، الذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر الاستكشاف والتنقيب عن حقول النفط والغاز البرية والبحرية، إضافة إلى حفر الآبار الاستطلاعية للتأكد من وجود النفط والغاز لمعرفة الجدوى الاقتصادية من استخراجه، ومن ثم حفر وتشغيل الآبار واستخراج النفط أو الغاز الطبيعي مجتمعين أم مفترقين، بحسب نوع المكمن النفطي. كل مرحلة من المراحل المذكورة أعلاه تتطلب لإتمامها فريق عمل مختصا ومعدات خاصة وتقنيات مختلفة، لا يسع ذكرها بالتفصيل في هذه السلسلة من المقالات، حيث إننا قد نجد شركات عالمية كبرى مختصة في كل أو بعض هذه التقنيات، بل ومن الممكن أن نجد شركات رائدة عالميا مختصة في تقنية واحدة فقط من التقنيات أو المعدات المستخدمة في إحدى هذه المراحل، فكما ذكرت سابقا عالم النفط عالم كبير مترامي الأطراف، ومتسارع جدا من حيث الابتكار والتطوير والاختراعات التي تسهم في رفع كفاءة هذه العمليات وتقليل التكلفة. نكمل ما بدأناه في المقال الثاني من هذه السلسلة.
أوجه التوطين في قطاع النفط «1»
- Details