عودا على بدء، تناولت في المقالين السابقين من هذه السلسلة قضية الاحتباس الحراري، ماهيتها، وهل هناك ارتباط بينها وبين التغير المناخي من جهة والوقود الأحفوري "النفط - الغاز - الفحم" من جهة أخرى؟ ذكرت أن هذا الموضوع محل جدل بين مقر ومنكر لظاهرة الاحتباس الحراري وارتباطها بالتغير المناخي، فمنهم من ينفي تماما وجود علاقة تربطهما، وأنها ظاهرة ليست جديدة بل تتكرر كل 25920 سنة، معللين ذلك بنشاط أشعة الشمس المرتبطة بدورة شمسية مدارية. ذكرت أيضا أنه في المقابل هناك آراء تعج بالمبالغة غير المنطقية التي تصور الوقود الأحفوري بشكل عام والنفط بشكل خاص أنه العامل الوحيد المؤثر في تغير المناخ الذي سيؤدي إلى الفيضانات وانقراض بعض الأجناس من الكائنات الحية والجفاف والتصحر وغيرها من الكوارث، ضاربين عرض الحائط المسببات الأخرى لهذه الظاهرة. ليس لدي شك أن ظاهرة الاحتباس الحراري حقيقة وأن التغير المناخي تحد كبير، وأن للغازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون والميثان علاقة بذلك، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقتنع أن هذا التحدي متعلق بقطاع دون الآخر أو بدول دون أخرى، بل هو تحد عالمي يجب أن يتصدى له الجميع دون استثناء وبلا انتقائية لمسبباته وبلا تسييس لهذا الملف. أن يشار إلى النفط بإصبع الاتهام ويغض الطرف عن الفحم، فذلك تناقض، كيف لا ومن المثبت علميا أن التلوث الذي يسببه الفحم أكبر بكثير مما يسببه النفط! هل الدول الصناعية الكبرى في العالم خارج هذه المعادلة؟ هل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ ينفي ارتباط الوقود الأحفوري بظاهرة الاحتباس الحراري؟ أم أن هذا الانسحاب بسبب بزوغ نجم النفط الصخري؟ الوقود الأحفوري والنفط على وجه الخصوص، سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، وقد أفردت مقالا عن أهمية الوقود الأحفوري تحت عنوان "الوقود الأحفوري ثورة وثروة". من الضروري أن يكون هناك توازن معقول غير مبالغ فيه بين صناعة النفط وبين خفض الانبعاثات الناتجة عنها، ويجب على جميع دول العالم تحمل مسؤولية التصدي للتغير المناخي فعلا لا قولا وبلا تصريحات إعلامية رنانة وتسييس لهذه القضية لخدمة أهداف شخصية، كما تجب حماية البيئة وكوكب الأرض من التلوث وأخطار التغير المناخي. قبيل أيام، في يوم الإثنين الموافق 24 أيلول (سبتمبر)، شاركت "أرامكو السعودية" في الاجتماع السنوي الرابع لمبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، أكدت فيه دور المملكة الريادي وجددت التزامها بخفض الانبعاثات المسببة للتغير المناخي. أعضاء المبادرة الذين وصل عددهم إلى 13 عضوا بعد انضمام كل من "شيفرون" و"إكسون موبيل" و"أوكسيدنتال" للمبادرة، لديهم خطة تهدف إلى خفض معدل كثافة انبعاثات الميثان من أعمال التنقيب والإنتاج إلى ما دون 0.25 في المائة بحلول عام 2025. وكما ذكرت سابقا أن لـ"أرامكو السعودية" دورا رياديا في استخدام أفضل الممارسات للحد من كثافة انبعاثات الكربون وابتكار تقنيات جديدة لتحويله إلى منتجات مفيدة. خلاصة القول، إن تغير المناخ مسؤولية الجميع وليس حكرا على جهة، وهناك من يعمل من أجل القضية وهناك من يعمل لتسييسها والاستفادة منها.
الوقود الأحفوري والاحتباس الحراري «3»
- Details