مَن تابع منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة خلال العامين السابقين فيما يخص النفط وصناعته واقتصادياته، يجد من العجب ما يندى له الجبين. تارة تخرج لنا موجة إعلامية عن السيارات الكهربائية، وأنها الشبح المقبل الذي سينحر الطلب على النفط من الوريد إلى الوريد، والمطلع على حقيقة هذه الصناعة يعلم يقينا أن ما يُطرح حول السيارات الكهربائية مبالغ فيه بصورة كبيرة جدا. كيف لا وإحدى الصحف الأمريكية تتساءل: هل تهوي ثورة السيارات الكهربائية بأسعار النفط لتصل إلى عشرة دولارات؟ في حين أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن عدد المركبات في العالم سيصل إلى ملياري مركبة، لا تشكل السيارات الكهربائية منها إلا قرابة 5 في المائة فقط، باستثناء دول منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي، التي من المتوقع أن تشكل منها السيارات الكهربائية ما يقارب 25 في المائة في العام ذاته، مع تحفظي الشديد على مصادر الطاقة الكهربائية، وهل هي صديقة للبيئة أم لا، فلا يمكن وصف السيارات الكهربائية بأنها صديقة للبيئة، والكهرباء التي تشحن هذه السيارات ناتجة من مولدات كهربائية غير صديقة للبيئة. لحقت هذه الموجة الإعلامية سلسلة متسقة من الموجات في جميع الوسائل الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تهدف - من وجهة نظري - إلى ترسيخ صورة ذهنية مضللة وغير واقعية، بأن النفط الصخري سيقود أسواق النفط ويتحكم في أسعارها، حتى تصور بعض المتشائمين أن تجارة النفط في الشرق الأوسط عموما، وفي دول الخليج خصوصا، ستبور، وسلعتنا التي ليس كمثلها سلعة في العالم بأسره ستتكدس على أرصفة الموانئ أو في مكامنها في باطن الأرض. من باب الإنصاف أنه - وبكل أسف - قابلت هذه الموجات الإعلامية المضللة والمبالغ فيها موجات إعلامية مضادة، لا تقل عنها تضليلا ومبالغة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل النفط الصخري واحترام وجوده كرافد من روافد النفط، الذي تسبب في تغيير ملامح خريطة النظام النفطي العالمي، وأوجد لنفسه مكانا ذا وزن وقيمة في معادلتها. بلغ معدل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري عام 2017 قرابة 4.7 مليون برميل يوميا، ومن المتوقع، بحسب "أوبك"، أن يصل معدل الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري عام 2018 إلى 5.91 مليون برميل يوميا؛ بمعنى أن النفط الصخري يشكل قرابة 5 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، وهو رقم مؤثر وكبير بلا شك، لكن لا يمكن أن يجعله متحكما في أسعار النفط، ولن يكون ذلك، بإذن الله. بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، الذي يطلق عليه اتفاق (1+5)، ما سيؤدي إلى فرض عقوبات على الصادرات النفطية الإيرانية، التي ستبلغ أوجها في تاريخ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. هذه العقوبات - بلا شك - ستؤثر سلبا في الإمدادات النفطية العالمية، فلا بد من تعويض هذا النقص في الإمدادات، فلو كان النفط الصخري الأمريكي قائدا لأسواق النفط، وأن "أوبك" بقيادة السعودية لم تعد مؤثرة كما في السابق، لماذا يطلب الرئيس الأمريكي منها مرارا وتكرارا تعويض الإنتاج؛ كي تبقى أسواق النفط مستقرة، وأسعاره مرضية للمصدرين والمنتجين؟
النفط الصخري .. قائد أم رافد؟
- Details