بعد الاتفاق النووي الذي تم يوم الثلاثاء الموافق 14 تموز (يوليو) من عام 2015 بين كل من إيران والقوى العالمية الست "5+1" وهي الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي كان يعتقد أن هذا الاتفاق بمنزلة انتصار نوعي لتحجيم دور إيران في تصدير الإرهاب للمنطقة والعالم بأسره.
بعد دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ ارتفع الإنتاج الإيراني من النفط قرابة مليون برميل حيث تجاوز 3.8 مليون برميل يوميا تقريبا. قبيل بضعة أشهر نقل موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية على لسان علي كاردور رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية أن إيران تستهدف رفع إنتاجها من النفط ليصل إلى 4.5 مليون برميل يوميا في غضون خمس سنوات. سيخصص منها قرابة 2.5 مليون برميل يوميا للتصدير وأما المتبقي فهو للاستهلاك المحلي. المتابع لأسواق النفط يعلم أن رفع العقوبات عن إيران في تلك الفترة كان أحد الأسباب الرئيسة في انخفاض الأسعار بسبب زيادة المعروض النفطي حيث وصلت الأسعار إلى دون 30 دولارا في عام 2016 ما أضر شديد الضرر بالدول المنتجة للنفط خصوصا التي يعد النفط المصدر الأول لإيراداتها. عندها تحركت المملكة بثقلها الاقتصادي والسياسي ومصداقيتها التي يعلمها القاصي والداني، وعملت كل ما يلزم من اجتماعات على أعلى المستويات مع المنتجين من داخل "أوبك" والمنتجين المستقلين من خارجها للوصول إلى اتفاقية خفض الإنتاج التي آتت أكلها وانعكست إيجابا على استقرار الأسواق النفطية وتعافيها وما أسعار النفط الآن إلا خير شاهد على ذلك حيث وصلت إلى قرابة 80 دولارا تقريبا. تبخر الهدف الإيراني لرفع إنتاجها ليصل إلى 4.5 مليون برميل يوميا خلال خمس سنوات بعدما قام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
هذا الانسحاب من الاتفاق لن يحول دون وصول إيران إلى هدفها لإنتاج 4.5 مليون برميل يوميا خلال خمس سنوات وحسب، بل ستتبعه عقوبات اقتصادية على إيران ومنها الصادرات النفطية التي من المرجح أن تعود إلى معدلها قبل الاتفاق في عام 2015 الذي بلغ 2.7 مليون برميل يوميا، أي بخسارة مليون برميل يوميا من إنتاجها الحالي وهو ما يعادل 27 في المائة من مجمل إنتاجها الحالي. أدى الانسحاب الأمريكي بلا شك إلى دفع أسعار النفط إلى مزيد من الارتفاع مع العوامل الفنية والجيوسياسية الأخرى. لا يعتريني شك أن الدول المنتجة للنفط ذات الثقل وعلى رأسها السعودية قادرة بحول الله تعالى على تعويض أي شح في الإنتاج النفطي سواء كان من إيران أو غيرها. لكن من وجهة نظري أرى أن وجود اتفاقية لرفع الإنتاج يتم الاتفاق فيها على آلية لرفع الإنتاج بنسب أو كميات محددة من كل دولة من أطراف اتفاقية خفض الإنتاج. قد لا تكون اتفاقية منفصلة بل ملحقا لاتفاقية خفض الإنتاج. أعتقد أن خطوة كهذه ستطيل عمر اتفاقية خفض الإنتاج واستقرار أسواق النفط لمدة طويلة، وهو ما تطمح له جميع الدول المنتجة بلا استثناء بل والدول المستهلكة أيضا. من فوائد هذه الاتفاقية أنها ستخفف وطأة السباق المحموم للحصول على حصص إضافية في أسواق النفط.