عودا على بدء، سلطت الضوء في المقال السابق على مشروع المملكة الضخم والطموح، الذي أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفقه الله وسدد خطاه، حيث ذكرت أن السعودية تهدف لإنتاج ما يقارب 200 جيجاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، والمتوقع أن تصل تكلفته إلى 200 مليار دولار. هذا المشروع الطموح يعد الأضخم في العالم بلا منازع، وسيوفر، بإذن الله، قرابة 100 ألف وظيفة، ويخفض فاتورة إنتاج الكهرباء بنحو 40 مليار دولار. من أهداف هذا المشروع أيضا، تقليل تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية لتصل إلى 1.5 سنت لكل كيلوواط في الساعة، حيث ستستخدم هذه الطاقة بشكل رئيس في تحلية المياه والزراعة، وسيصدر الفائض منها ما يدعم "الرؤية" في تنويع مصادر الدخل. إكمالا لإجابة الصديق العزيز "أبو نواف" حول وجهة نظري في تأثير ما سبق على أسواق النفط، ذكرت أن الإجابة عن ذلك تنطلق من ثلاثة محاور، وهي كمية الطلب العالمي المتوقعة على النفط في عام 2030، وكمية المعروض النفطي العالمي المتوقعة، وأخيرا النسبة المتوقعة لاستخدام النفط لتوليد الكهرباء في العالم في ذلك العام. أتممت المحور الأول في المقال السابق، أما فيما يخص المحور الثاني حول كمية المعروض المتوقعة بحلول عام 2030، فعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها بعض الجهات من إمكانية حدوث شح في الإمدادات النفطية على المديين المتوسط والبعيد بسبب ضعف الاستثمارات العالمية في مشاريع التنقيب والاستكشاف مقارنة بالأعوام السابقة، فعلى الرغم من ذلك، فإني أرى أن هذا التحذير مبالغ فيه. حيث إن تعويض أي شح في الإمدادات النفطية، سواء كان ذلك بسبب عوامل طبيعية أو فنية أو حتى قسرية بسبب الحروب والاضطرابات الجيوسياسية في بعض المناطق، إلا أن تعويض ذلك ليس بالأمر الصعب، سواء كان ذلك من الدول المنتجة من داخل منظمة أوبك، أو من الأعضاء المستقلين خارجها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حيث إن النفط الصخري الأمريكي سيستمر في النمو تدريجيا حتى يصل ذروته المتوقع أن تكون في عام 2030 ومن ثم يبدأ الانحسار، بحسب بعض الدراسات الاستشرافية المختصة.
المحور الثالث، والأهم للإجابة عن سؤال العزيز "أبو نواف" حول استخدام النفط في عام 2030 لتوليد الكهرباء. حاليا، يشكل النفط قرابة 6 في المائة من مصادر الطاقة الكهربائية في العالم، وهي نسبة منطقية، نظرا لأن أغلب دول العالم لا تستخدم النفط لتوليد الكهرباء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكل النفط نحو 1 في المائة من مصادر الطاقة الكهربائية في أمريكا، بل إن هناك توجها لعدم حرق النفط لتوليد الطاقة الكهربائية واستبداله بالطاقة المتجددة أو بالغاز الطبيعي.
ختاما، أتوقع أنه لن يكون هناك تأثير يذكر في الطلب العالمي للنفط، بسبب مشاريع الطاقة المتجددة الضخمة. لا يخفى على القارئ الكريم أن للنفط استخدامات كثيرة جدا لا تعد ولا تحصى، ليست حكرا على الطاقة وحسب. هنا أستشهد بتصريح المهندس أمين الناصر الرئيس التنفيذي لـ "أرامكو السعودية" على هامش مؤتمر "سيرا ويك" الذي انعقد في مدينة هيوستن، على أن الطلب العالمي على النفط ما زال قويا، وتوقع أن ينمو استهلاك النفط بنسبة 25 في المائة في قطاع البتروكيماويات في الـ 20 عاما المقبلة.