قبل أيام اتصل بي الصديق العزيز محمد البوعلي "أبو نواف"، وهو أحد الكفاءات الوطنية التي نفخر بها، وأحد القياديين الشباب الذين يشار إليهم بالبنان في "أرامكو السعودية". وكان محور الاتصال عن مشروع المملكة العربية السعودية الضخم والطموح، الذي أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ــ وفقه الله ـــ وسدد خطاه، حيث تهدف السعودية إلى إنتاج ما يقارب 200 جيجاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، والمتوقع أن تصل تكلفته إلى 200 مليار دولار. هذا المشروع الطموح يعد الأضخم في العالم بلا منازع، وسيوفر ـــ بإذن الله ـــ قرابة 100 ألف وظيفة، ويخفض فاتورة إنتاج الكهرباء بنحو 40 مليار دولار. من أهداف هذا المشروع أيضا، تقليل تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية لتصل إلى 1.5 سنت لكل كيلوواط في الساعة، حيث ستستخدم هذه الطاقة بشكل رئيس في تحلية المياه والزراعة، وسيصدر الفائض منها، ما يدعم "الرؤية" في تنويع مصادر الدخل. سألني "أبو نواف" عن وجهة نظري حول تأثير ذلك في الطلب على النفط. وبما أن السؤال مهم جدا، فإنه يتطلب ترويا في الإجابة والعودة للأرقام والإحصائيات، لذلك كان جوابي له "الجواب ما ستراه لا ما تسمعه". أعتقد أن الصديق الغالي لديه من حسن الظن ما يكفي ليستنتج أن جوابي له ليس تهديدا، إنما احترام لشخصه ولسؤاله، الذي أعتقد بما لا يدع مجالا للشك أن مشاركته مع القراء الكرام عبر هذه الصحيفة الموقرة مناسب ومفيد للجميع بإذن الله. من وجهة نظري، أن الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تنطلق من ثلاثة محاور. أولا، كمية الطلب العالمي المتوقعة على النفط في عام 2030. ثانيا، كمية المعروض النفطي العالمي المتوقعة. ثالثا، النسبة المتوقعة لاستخدام النفط والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في العالم في ذلك العام. فيما يخص المحور الأول، ذكرت شركة بريتيش بتروليوم العالمية للطاقة "بيبي" أن الأسواق تتوقع ارتفاع الطلب على النفط إلى 100 مليون برميل يوميا لأول مرة في عام 2018، مضيفة أن الطلب العالمي على النفط لا يزال آخذا في النمو. فلو افترضنا أن هناك نموا على الطلب سنويا يقدر بنحو 1.5 مليون برميل، وهذا ما توقعته بعض الجهات المختصة في هذا المجال، عليه ستكون كمية الطلب العالمي على النفط بحلول عام 2030 قرابة 118 مليون برميل يوميا، وهو في نظري رقم متحفظ قد ترتفع كمية الطلبية تدريجيا حتى ذلك الوقت. ففي عام 2030 من غير المنطقي أن تكون الزيادة على الطلب مماثلة للزيادة عليه في عام 2019 على سبيل المثال، لأن النمو السكاني العالمي والصناعي متسارع جدا، ما دفع بعض الجهات المختصة إلى التحذير من ضعف الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز، ما سينعكس سلبا على الإمدادات النفطية مستقبلا حتى مع التوجه العالمي لرفع الطاقة الإنتاجية من الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة، الشمسية والرياح وغير المتجددة، كالطاقة النووية وغيرها. بدا جليا أن المعادلة قد تغيرت، وأن الدراسات الاستشرافية تحتاج إلى تمحيص ومواكبة لهذه المتغيرات المتسارعة. سنكمل ما بدأناه في المقال المقبل ـــ بإذن الله.
شمس السعودية لن تحرق النفط «1»
- Details