تناولت سابقا موضوع التنقيب عن النفط وطرقه في سلسلة من المقالات بعنوان "في التنقيب عن النفط"، وتناولت كذلك في سلسلة أخرى من المقالات أنواع أجهزة الحفر المستخدمة لحفر آبار النفط والغاز، وآلية عملها وتطبيقاتها المختلفة. حيث إن كلتا السلسلتين من المقالات تسلط الضوء على الأنشطة التابعة لصناعة "المنبع". لتوضيح الصورة للقارئ الكريم من غير ذوي التخصص، أود أن أشير إلى أنه بعد أن تتم عملية التنقيب عن النفط بالطرق المختلفة السابق ذكرها، وتحديد المواقع المناسبة للحفر بناء على نتائج التنقيب وبعد حفر آبار استكشافية للتأكد من وجود النفط، تبدأ عملية الحفر حتى الوصول إلى العمق المحدد في برنامج الحفر المعد من قبل فريق هندسي مختص. يشمل برنامج الحفر على سبيل المثال لا الحصر، عمق البئر ونوع الطبقات والتكوين الجيولوجي، حيث يتم اختيار رأس الحفار المناسب بناء على هذه المعلومات، ويشمل أيضا طريقة "أفقي ــ عمودي ــ توجيهي ــ تعددي" وغير ذلك من المعلومات التي لا يسع المقال لذكرها جميعا. بعد الانتهاء من عملية الحفر تبدأ عملية "سمنتة البئر" وهي موضوع هذه السلسلة من المقالات، التي سأسلط الضوء فيها بإذن الله بإيجاز على المحاور التالية: أولا تعريف «السمنتة» وأهميتها، ثانيا: طبيعة الأسمنت المستخدم ومواصفاته الفيزيائية والكيماوية، ثالثا: الحجر الأسمنتي وخواصه، رابعا: عملية تحسين مواصفات الأسمنت المستخدم والهدف منها، خامسا: العوامل المؤثرة في عملية «السمنتة» وكيفية تلافيها. يمكن تعريف عملية «السمنتة» على أنها عبارة عن ضخ السائل الأسمنتي من فوهة بئر النفط عبر أنابيب التغليف ومن ثم إزاحته إلى الفراغ الموجود بين محيط أنابيب التغليف الخارجي وبين جدار بئر النفط. حيث يجف هذا السائل الأسمنتي بعد فترة ويجمد وينتج عن ذلك ما يسمى الجدار الأسمنتي. لعملية «السمنتة» فوائد كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: تثبيت أنابيب التغليف وتدعيمها، عزل الطبقات الجيولوجية عن بعضها بعضا وهي تعتبر الفائدة الأهم لعملية «السمنتة» حيث تمنع اختلاط الموائع الموجودة فيها وعدم انتقالها من المناطق ذات الضغط المرتفع إلى المناطق ذات الضغط المنخفض، ما يسهل تنظيم عملية الإنتاج من الطبقات المستهدفة. من فوائد عملية «السمنتة» أيضا أنها تحمي أنابيب التغليف من التآكل بسبب المياه المالحة أو بسبب الأحماض الموجودة في سوائل الحفر. كذلك يقوم الجدار الأسمنتي بحماية بعض الطبقات الجيولوجية من سوائل الحفر، وغير ذلك من الفوائد. قد يتبادر في ذهن القارئ الكريم سؤال عن طبيعة هذا الأسمنت وخصائصه ومميزاته. يعتبر الأسمنت المادة الرئيسة في عملية «السمنتة» وهو مسحوق ناعم جدا يتكون من خليط من عدة مواد مطحونة ذات تركيب معدني معين. أود أن أشير هنا إلى أن عملية «السمنتة» تتطلب دقة عالية وحسابات دقيقة غاية في الأهمية، يقوم بها فريق عمل مختص وذو كفاءة عالية. هناك تصنيفات متعددة للأسمنت ومن أهمها تصنيف المعهد الأمريكي للنفط، حيث يقوم بتصنيفه بناء على خواصه الفيزيائية والكيماوية وفقا لعمق البئر. يتم خلط الأسمنت بالماء قبل ضخه ويسمى بالسائل النفطي وسيكون بإذن الله تعالى موضوع مقالنا القادم الذي سيكون المقال الثاني من هذه السلسلة عن عملية «سمنتة» آبار النفط... يتبع.
«سمنتة آبار النفط» «1»
- Details