عودا على بدء، تناولت في المقال السابق الذي يعتبر المقال الخامس من هذه السلسلة من المقالات عن التنقيب عن النفط وطرقه. تناولت بشيء من التفصيل الطريقة المغناطيسية والطريقة الكهربائية، وهما من الطرق المستخدمة في التنقيب عن النفط. ذكرت أيضا في المقال ذاته أن جميع الطرق التي تطرقنا لها في هذه السلسلة من المقالات لا تعطي دلالة قطعية على وجود النفط، بل مؤشرات متفاوتة في الدقة عن وجوده، وأن التأكد القطعي لا يكون إلا بحفر آبار تجريبية أو ما يسمى الحفر الاستكشافي وهذا هو موضوع مقالنا هذا الذي سنختم به هذه السلسلة من المقالات بإذن الله تعالى.
الحفر الاستكشافي يأتي بعد جميع أو بعض الطرق التي تم ذكرها سابقا في هذه السلسلة من المقالات، التي تقود إلى تحديد أنسب المواقع التي يرجح احتواؤها على النفط أو غيره من ثروات باطن الأرض المستهدفة. تبدأ هذه العملية بحفر الآبار بعد أن يقوم المختصون بتحديد العمق المراد الوصول إليه، إضافة إلى نوع المعدات المستخدمة في الحفر ونوع وقوع منصة الحفر وما إلى ذلك. بعد ذلك يتم البدء بجمع المعلومات وتدوينها فيما يسمى "وثيقة التسجيل" التي تشتمل على سبيل المثال لا الحصر: تحديد نوع وسمك الطبقات في باطن الأرض، إضافة إلى تقدير أعمار هذه الصخور بناء على العينات التي تم جمعها. أيضا يتم جمع معلومات عن الخصائص الفيزيائية والكيماوية والطبيعية، كالنفاذية والمسامية للصخور في هذه الطبقات، والنشاط الإشعاعي لها وكذلك كثافتها وغيرها الكثير.
غالبا يتم تحديد موقع حفر بئر الاستكشاف عند النقطة التي يتوقع أنها أعلى نقطة للإنتاج، وهذه التوقعات ليست عشوائية بل علمية تبنى على المعلومات المستخلصة من الطرق التي تم استخدامها قبل البدء بعملية الحفر الاستكشافي. من الضروري أن يعلم القارئ الكريم، أن حفر بئر استكشافية واحدة كاف للتأكد من وجود النفط أو عدمه، لكن حفر بئر استكشافية واحدة غير كاف لتحديد الحقل النفطي ومعرفة كمية النفط الموجودة في هذا الحقل، بل إن ذلك يتطلب حفر عدد معين من الآبار يتم تحديد موقع حفرها بوساطة فريق العمل المختص.
بعد إتمام عملية الحفر الاستكشافي بكل مراحله، ومعرفة كمية النفط الموجودة في الحقل، وأعماق المكامن الحاوية له وطبيعة الصخور وما إلى ذلك، يقوم فريق مختص بدراسة ما تم أعلاه واتخاذ القرار فيما إذا كان الحفر والإنتاج من هذا الحقل مجديا اقتصاديا وممكنا فنيا أم لا. فإذا كان الجواب بنعم، تستمر مراحل صناعة النفط والغاز الأخرى التي ستكون مواضيع سلسلة المقالات المقبلة بإذن الله. أما إذا كان الاستمرار غير مجد اقتصاديا أو غير ممكن فنيا لأي سبب من الأسباب، عندها يتم إغلاق البئر. وتبدأ عملية التنقيب والاستكشاف التي تم ذكرها في هذه السلسلة على التوالي في موقع آخر وهكذا.
في ختام هذه السلسلة من المقالات أتمنى أن أكون قد وفقت لتقديم صورة مبسطة وسلسة للقارئ الكريم عن التنقيب ومراحله والهدف منه والطرق المستخدمة في هذه الصناعة. بإذن المولى - عز وجل - ستكون السلسلة المقبلة عن الحفر وطرقه وكل ما يتعلق به.