عودا على بدء، تناولت في المقال السابق، الذي يعد المقال الثالث من هذه السلسلة من المقالات عن التنقيب عن النفط وطرقه، تناولت طريقة المسح الجيوفيزيائي وهي من الطرق المهمة والأدوات الفاعلة لتدقيق المعلومات بعد جمعها عن بنية الطبقات وتراكيب المكامن النفطية، خصوصا في المناطق الجغرافية صعبة التضاريس. من ثم سلطت الضوء بشيء من التفصيل على طريقة المسح السيزمي "الاهتزازي أو الزلزلي"، التي تعد إحدى الأدوات والطرق للتنقيب عن النفط، حيث تستخدم لتحديد التكوين الجيولوجي تحت سطح الأرض. في هذا المقال سنكمل ما بدأناه ونتطرق لطريقة الجاذبية التي تعد أحد الأنواع المندرجة تحت طريقة المسح الجيوفيزيائي. تستخدم طريقة الجاذبية لدراسة ومعرفة الطبيعة الجيولوجية لباطن الأرض في حدود ضيقة وأعماق بسيطة نسبيا لا تتجاوز الكيلومترات الأولى القليلة من سطح الأرض.
يمكن شرح آلية هذه الطريقة بأنها ترتكز على قياس التغيرات الصغيرة في جذب الصخور للكتل فوق سطحها، فكما هو معروف للقارئ الكريم أن قوى الجذب تختلف من مكان إلى آخر، وفقا لاختلاف كثافة الصخور تحت سطح الأرض. ذلك لأنه، وفقا لقوانين الفيزياء فإن الجاذبية تتناسب طرديا مع الكتل الجاذبة، وعكسيا مع مربع المسافة إليها. على سبيل المثال لا الحصر وبشكل مختصر، إذا كانت الطبقات الأعلى كثافة مقوسة إلى أعلى في تكوين محدب، فهذا يعني أن مجال الجاذبية الأرضية على محور التكوين "الطية" يكون أكبر منه على جنباتها، كما أن القبة الملحية، الأقل كثافة من الصخور التي اخترقتها، يمكن كشفها من القيمة الصغيرة للجاذبية المقاسة فوقها، مقارنة بقيمة الجاذبية على أي من الجانبين. مما سبق، من الطبيعي والمنطقي أن يكون لدينا جهاز دقيق ومتطور لقياس التغير الطفيف في قيمة الجاذبية من مكان إلى آخر ذي حساسية عالية، تصل دقة هذا الجهاز لتسجيل التغيرات في الجاذبية لجزء في المليون من الجاذبية الأرضية، ويسمى "الجرافيميترز"، وهو عبارة عن أداة تستخدم لرسم خريطة تغيرات الجاذبية في منطقة البحث عن البترول التي يمكن من خلالها ترجيح وجود تراكيب جيولوجية معينة تعطي مؤشرات قوية نوعا ما عن وجود النفط فيها، أو تداخل صخور القاعدة ذات الكثافة العالية في صخور رسوبية ذات كثافة أقل.
وبصفة عامة يستفاد من طريقة الجاذبية في تحديد الأحواض الرسوبية، وامتدادها وسمكها، باعتبار أن كثافة صخور القاعدة أعلى من كثافة الطبقات المترسبة فوقها، وكذا في تحديد أماكن القباب الملحية، وشعاب الحجر الجيري والطيات المحدبة. وكما تم ذكره سابقا، قد تستخدم أكثر من طريقة للتنقيب عن النفط وغيره من الثروات الطبيعية في وقت واحد، حيث إن الهدف من ذلك هو الوصول إلى دلائل ومؤشرات أقوى عن وجود النفط في مصائده، وبالتالي تنخفض نسبة المخاطرة "الخسارة" في حفر الآبار التجريبية، التي تعد الكلمة الفصل، كما أسلفنا سابقا في التأكد بشكل قطعي عن وجود النفط والغاز. وسأتطرق بإذن الله في نهاية هذه السلسلة إلى طرق التنقيب عن النفط بطريقة "الحفر الاستكشافي" من حيث آلية عمله والهدف منه وأهميته في استخراج النفط لكن بعد الانتهاء- بإذن الله- من طرق التنقيب الأخرى الأكثر شيوعا.