عودا على بدء، تناولت في المقال السابق الذي يعتبر المقال الثاني من هذه السلسلة من المقالات عن التنقيب عن النفط وطرقه، تناولت طريقة المسح الجيولوجي الطبقي التي تتزامن مع المسح الميداني الذي يعنى بأخذ عينات من الصخور لمعرفة ما يمكن معرفته من الطبيعة الجيولوجية للطبقات المستهدفة وخصائصها. وضحت كذلك التطور الكبير الذي وصلت إليه طرق وتقنيات التنقيب عن النفط وغيره من ثروات باطن الأرض. في هذا المقال سأسلط الضوء بإذن الله تعالى على طريقة المسح الجيوفيزيائي وهي من الطرق المهمة والأدوات الفاعلة لتدقيق المعلومات التي تم جمعها عن بنية الطبقات وتراكيب المكامن النفطية خصوصا في المناطق الجغرافية صعبة التضاريس، كالمناطق الجليدية القطبية والمناطق البركانية والمناطق البحرية والمسطحات المائية بأنواعها، والمناطق الصحراوية. أسهم التطور التقني للحواسيب وبرامجه إسهاما فاعلا وقويا في تطور هذه الطريقة للتنقيب عن النفط وغيره من الثروات كالمعادن والغاز وغيرهما، حيث أصبحت معالجة البيانات المستخلصة من هذه العملية أكثر دقة وسرعة، ما ينتج لنا مخرجات متطورة ونتائج وقراءات عالية الدقة. الجدير بالذكر وكما نوهت سابقا مرارا وتكرارا، أن جميع طرق التنقيب عن النفط لا تؤول إلى نتيجة حاسمة وقطعية بوجود النفط، إنما تعطي مؤشرات تتفاوت في دقتها بحسب نوع الطرق والتقنيات المستخدمة لوجوده، وأن حفر آبار تجريبية هو كلمة الفصل للتأكد. يندرج تحت طريقة المسح الجيوفيزيائي كثير من الطرق ومن أهمها، المسح السيزمي "يطلق عليه أيضا المسح الاهتزازي أو المسح الزلزالي"، وكذلك طريقة الجاذبية والطريقة المغناطيسية والطرق الكهربية. إضافة إلى ذلك هناك طرق تندرج تحت طريقة المسح الجيوفيزيائي وهي أقل شيوعا وأقل استخداما من غيرها التي تم ذكرها أعلاه، ومن هذه الطرق قياس الإشعاعات والحرارة في المواقع المستهدفة. أود التنويه هنا إلى أن طريقة المسح السيزمي وطريقة الجاذبية هما أكثر الطرق شيوعا للتنقيب عن النفط، أما الطرق الكهربائية المختلفة فعادة ما تستخدم للتنقيب عن المعادن في باطن الأرض، أقول عادة لأننا قد نجد من يستخدمها للتنقيب عن النفط أيضا.
المسح السيزمي يعتبر إحدى الأدوات والطرق للتنقيب عن النفط حيث تستخدم لتحديد التكوين الجيولوجي تحت سطح الأرض. سأوضح في هذا المقال بإيجاز للقارئ الكريم آلية هذه العملية دون التعمق في التفاصيل الدقيقة. تتشابه آلية التنقيب عن النفط باستخدام هذه الطريقة سواء كان ذلك في البحار والمحيطات أو على سطح اليابسة مع اختلاف طريقة إطلاق الموجات، حيث يتم إرسال موجات سيزمية من السطح من مركبات أو قوارب خاصة تسمى "المصدر"، تجاه باطن الأرض بمقدار وزاوية محددة، فترتد هذه الموجات إلى سطح اليابسة بعد اصطدامها بطبقات ذات خواص طبيعية مختلفة ويقوم باستقبالها وتجميعها "المستقبل" وتحليلها بناء على عوامل كثيرة ومنها طول الموجة السيزمية وحساب زمن ارتدادها. سرعة الموجات تعتمد بشكل كبير على كثافة الصخور التي تمر بها، وبناء عليها يتم حساب أعماق الطبقات وسمكها التي تكون أهم المدخلات والبيانات التي يتم تحليلها للحصول على خرائط جيولوجية تعطي مؤشرات قوية عن وجود النفط في المكامن التي تم تحديدها. نكمل ما بدأناه بإذن الله في المقالات القادمة من هذه السلسلة.