يعتبر البحث والتنقيب عن النفط أول عملية من العمليات التي تندرج تحت أقسام صناعة النفط الرئيسة، وقد وضحت سابقا للقارئ الكريم في سلسلة من المقالات عن هذه الأقسام بالتفصيل وهي صناعة المنبع، والصناعة الوسيطة، وصناعة المصب. التنقيب عن النفط محل مقالنا هذا يندرج تحت صناعة المنبع وله طرق وتقنيات معقدة تتطلب إنفاقا لا يستهان به، سواء كان هذا الإنفاق في شراء المعدات والتقنيات الحديثة، أو في مجال الأبحاث والتطوير، إضافة إلى استقطاب الكفاءات وتدريبها وتطويرها والمصاريف التشغيلية العالية، ولا يخفى على القارئ الكريم العلة في ذلك فمن المعروف أن التنقيب عن النفط يتم غالبا في المناطق النائية البعيدة عن النطاق العمراني، سواء كان ذلك على سطح اليابسة أو تحت الماء. جدير بالذكر أنه كلما زاد الإنفاق والاستثمار في التنقيب عن النفط، زاد عدد البراميل المكتشفة. فبحسب المنظمة العالمية للطاقة كان معدل الاكتشافات الجديدة للنفط ما يقارب تسعة مليارات برميل من النفط سنويا في الـ 15 عاما الماضية، وبحسب المنظمة شهد عام 2016 انخفاضا كبيرا وملحوظا حيث وصل الرقم إلى 2.4 مليار برميل من النفط فقط. لعل أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم بأسره خلال الأعوام القريبة المنصرمة، وما صاحبها من تباطؤ في النمو للدول الصناعية الكبرى والأكثر استهلاكا للنفط كالصين على سبيل المثال لا الحصر، ما أسهم في انخفاض الاستثمار في التنقيب والاستكشاف وغيرها من الأسباب السياسية والجيوسياسية والأمنية. وقد حذر كثير من الجهات المختصة أن ذلك قد يؤدي إلى وجود قصور في الإمدادات النفطية في المستقبل القريب إذا ما علمنا أن النمو المتوقع على النفط خلال السنوات الخمس المقبلة سيصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا. عملية التنقيب يجري عليها ما يجري على غيرها من العمليات النفطية، تتطور عاما بعد عام، إما بتطوير الأساليب والطرق الموجودة أو محاولة اكتشاف طرق جديدة قد تسهم في رفع كفاءة التنقيب ودقته أو حتى خفض تكاليف الموجود منها.
بلغت هذه الطرق والأساليب من التطور التكنولوجي مدى بعيدا في إجراء المسح، السيزمي أو المغناطيسي أو الكهربي، وقد كان للحاسوب وتطور برامجه وسرعة معالجته للبيانات اليد العليا في تطور هذا القطاع.
قبل أن أتطرق بالتفصيل لأنواع وطرق التنقيب والبحث عن النفط، أود التنويه وتأكيد ما ذكرته سابقا أن جميع الطرق والأساليب المستخدمة للتنقيب عن النفط تهدف إلى البحث عن مؤشرات أقوى على وجود النفط، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التأكد بصورة قطعية حتى يتم حفر آبار تجريبية تسمى آبار الاكتشاف. وعليه كلما كانت الطرق والتقنيات المستخدمة في التنقيب عن النفط أكثر دقة وتعطي مؤشرات أقوى عن وجود النفط، ارتفعت تكلفتها. لذلك يمكن القول إن الهدف الرئيس لحفر بئر الاستكشاف أو البئر التجريبية هو تقييم حقل البترول من حيث إمكان استخراج الزيت، وحجم الخزان البترولي، وإمكان تنمية الكشف، وتجميع البيانات الإضافية المهمة للمكمن، وبناء على النتائج المستخلصة يقوم المختصون بإجراء الحسابات المطلوبة لمعرفة هل الاستمرار بالحفر للإنتاج من هذه المكامن مجد اقتصاديا، فإن لم يكن مجديا يتم إيقاف العملية في هذه المنطقة ويبدأ التنقيب والبحث في مناطق أخرى.